الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008

"أولادكم ليسوا لكم"


لم أشعر يوماً بالرغبة للاستماع إلى نشرة أخبار أو أيِِ من الأمور السياسيّة الأخرى كمؤتمر صحافي لأحد المسؤولين أو تصريح لآخر, ولطالما قيل لي "مش عايشة بهالبلد"! ولكنّي بالفعل لم أحصل على الجينات اللبنانيّة بامتياز الّتي تصٌّف المواطن وتضعه في خانة زعيم أو آخر فيهلٌل له عندما يصيب ويستمرّ بالتهليل عندما يخطىء.

من المثير أن يولد البشر مع عصابة سوداء على أعينهم نقشت عليها بحروفٍ بيضاء انتمائاتهم السياسية أو الحزبيّة والمذهبية, فنجد الطفل اللبنانيّ منذ سنواته الأولى يتفصّح ويهاجم ويندّد ويدافع عن عقيدة سياسيّة معيّنة وأهله فخورون به "يقبرني شو بيفهم ويسلملي شو مهضوم"! كما باتت شاشات التلفزة تعرض هذه الآراء الفقيهة, فأين أنت يا جبران لتقول لهم "أولادكم ليسوا لكم", أين أنت لتقنعهم بالعدول عن محاولة استنساخ الأجيال والأفكار الٌتي كانت وما زالت تدمّرنا...
وأين أنت يا فيروز لتسأليهم "بحرب الكبار شو ذنب الطفولة" لكي تزرعوا فيها أشواككم وتلوٌثوا نقاءها بتفكيركم المحدود...
وكم أشفق على هؤلاء الأولاد لحرمانهم ليس فقط من وطنهم بل من طفولتهم أيضاً, فبدل أن ينتظروا عرض "توم وجيري", باتوا يتلهّفون لمتابعة الأخبار, وبدل أن يسألوا بعضهم البعض عن ألعابهم المفضّلة, باتوا يسألون "أنت مع مين؟".

فما أغرب هذه الحياة تُعلٌََََّق غضب الناس, آمالهم ومآسيهم على شجرة واحدة مع آمالهم وأفراحهم. فتتضارب القيم وتختلط الحقائق مع الأكاذيب مجرِّدةً كلٌ شيئ من معناه, جاعلةًََ الأنسان أتفه من التفاهة بحدّ ذاتها.
وكيف بنا أن نتسامى عن قهرنا وكلٌّ منّا وليد هذا القهر؟ كيف ننسى ما شهدناه طوال حياتنا وكبر فينا؟ كيف نمحي آثار الألم وهي تشوّه تفكيرنا بما علّمونا من خوف وحقد وكراهيّة.

أنا أحبٌ وطني, لا بل أعشقه, ولكنّي أكره انتمائي له, ويعزّ عليّ ما نفعله به, كلٌّ بأنانيته وتعصّبه. وتوجعني رؤية تصوّراتي وتخيٌلاتي عنه تذهب أدراج الريح... وأكثر ماأستنكره وأحاول نفيه عن ذاتي ومقاومته هو كمعظم أهله, الرغبة بالرحيل عنه...

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية