الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008

على أدراج الحياة...


وقفت في محطة القطار منتظرة أن ينادي السائق وجهتها... تحمل في يدها حقيبة جلديّة باهتة اللّون تتناقض مع انسياب فستانها الحريريّ الأسود على جسدها النحيل... الفستان يتلاءم على جميع الأحوال مع نظّاراتها الشمسيّة, فكلاهما يغطيان آثار كدمات نقشها على جسدها ووجهها بيده السمراء الحادقة وكلماته المهينة والمعنّفة....
وفي لحظات وهن ذاكرتها, أغمضت عينيها وعادت اٍلى أيّام كانت تشبه الأيّام, ولم تكن فقط ساعات وأزمان تمرّ فيها الأوقات مرور الكرام وتسقط سهواً في محرابها كلمة الحياة!
على سلّم ناءِ يقع تحت مبنى المدرسة في بلدتهما, كانت تلتقيه يوميّاً الساعة السادسة كلّ مساء, يتحدثان ويضحكان ضحكات ملاى القلوب, يوشوشها كلمات عذبة تنقلها اٍلى عالم الهوى والهيام وتطلق من بركان ذاتها حمم الأحلام, أحلام عاشقين بدأت حكايتهما ما بين قبلات كانا يسرقانها على ما يسمّى سلّم الخطيئة.
كيف ارتدى أثواب اللّطف والحنان؟ تراها كانت أقنعة كتلك الّتي يحتمي بها رامي السهام وتغطي وجهه كي يكون مجهول الهوية. استدرجها كي تغرم به كليّاً من رأسها حتّى أخمض قدميها وتهرب معه في اٍحدى اللّيالي متحدّية رفض أهلها لحبيب استطاع بذكاء لا يستهان به أن يستعير قناعاً لملاك!!
نفس الحقيبة الّتي حملتها ليلتها ولملمت فيها بضع أثواب وحاجيات وزجاجة عطر فرنسيّة أهداها اٍيّاها في عيد مولدها... نفس الحقيبة الّتي تحدّت بها مشيئة والديها... نفس الحقيبة لملمت فيها اليوم أيضاً بضع أثواب, ولكنّ الأثواب باتت بالية والحقيبة باهتة تكاد تتمزّق من كثرة ما حوت من جراح... تكاد تفلت من يد صاحبتها, ليس لأنّ وزنها تضخّم بل لشدة ما أصاب تلك المرأة من ضعف ونحول وحوّلها من فتاة تعدو بسرعة الريح على ذلك السلّم الآثم اٍلى أشلاء امرأة.
المؤسف أنّها تحب الوحش الكاسر الّذي ضربها البارحة, تبحث في داخله عن رجل أضاعته الحاجة, هاجمته زوبعة ضياع, جرفته فغرق فيها... تآكلته آلآم يعكسها صفعات وشتائم على جسد من كانت يوماً حبيبته!
انهمرت دمعة شفافة أشبه بالكريستال على وجنتها, دمعة تسرّبت من عينيها المكابرة الّتي ابتلعت باقي الأدمع...
اليوم بلغت الحضيض, اكتفت. لن تقبل المزيد من الاعتذارات ... اعتذارات تتلقى بعد مرور بعض الوقت على انقضائها وابل كدمات!
اليوم فجر جديد, فجر المنطق ووضع الحب في سلّة الخرافات... صحت من كل تلك الأفكار والصور على صوت السائق ينادي قطار بيروت-زحلة...
الآن ترحل إلى غير عودة...
الآن ترحل إلى رحلة النسيان...
الآن ترحل لمواجهة الأقدار...
الآن ترحل لأنّ لا مفرّ من الرحيل... لا مجال للتلاعب على الذات ومحاولة إقناعها أنّه سيتغيّر فحتّى الذات سئمت ولم تعد تصدّق....
الآن ترحل لأنّ ما قد بدأ على سلّم الخطيئة انتهى بين أسلاك الألم على أدراج الحياة...

1 تعليقات:

في 19 فبراير 2010 في 7:37 ص , Anonymous الإعلامى / عاطف الهادى يقول...

الإعلامى / عاطف الهادى

جسدُ العاشِقة مأوى الهروبِ !

أديبتى جنى

مازِلتُ بأبوابِ قصرُكِ
أتلمسُ فيكِ
إحساسَ الحروفِ
وأنتِ نهرٌ
للمعانى والمضمونِ
ألا هل لامست
نِقاطَ حروفى
جوهر مكنونِكِ ؟

***************************

هل هوَ هروبٌ مكانى ؟
أم هوَ هروبٌ زمانى ؟

بحدسى ؟
فلا هوَ زمانى !
ولا هوَ مكانى !
هوَ هروبٌ حِسى !

تقصُر دائرةِ الهروبِ
أوتطول
فنُقطةُ البِداية
مُستقرُ النِهاية

ينفَطِرُ قلبى
على عاشِقةِ الأدراجِ
فلا ألومُها
ولا اللومِ عليها يقعُ

فكيفَ الهروبِ ؟

نشأت بِعشقٍ
يفوقُ قدرَ العُشاقِ
وبصماتِ الهوى
هىَ المأوى
وعُشُ الملذاتِ
وكيفَ لها تنسي الداءِ
والدواءُ كانَ البلسمَ
والشافى
فكيفَ الهروبِ ؟

هوَ !!!
كانَ كالنِسرِ الجارِحِ
مُتيمٌ بِدماءِ الفريسةِ
لايرى إلا
ذاتةِ وذواتةِ !

رُحماكَ ياربى رُحماكَ
جئنا لأرضٍ
لا نعلمُ خباياها
فتعلمنا
بِقوةِ
تياراتِ الماءِ والهواءِ

فاكتُب لنا
السلامةَ والنجاةِ
عسانا نظفِرُ
عِشقُ الربِ
وحُبُ الملذاتِ

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية