الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008

تفاصيل...


جاءتني تتوعّد, تصرخ, تصرّح أنّها لن تسامحه يوماً, أنّها لن تستريح اٍلاّ اذا دمّرت حياته. ثارت, شتمت, نعتته بأبشع الصفات. "أنا مدمنة", قالت,"مدمنة, واعية تماماً لآثار المخدّر السلبيّة الّتي أعاني منها, أحاول الاٍقلاع, ولكنّي أمرّ بلحظات ضعف, تدفعني للتصرّف بدون اٍدراك, أفقد الوعي, التوازن... أنا مدمنة, ولكن كفى! أشعر بالذل كلّما خابرته ولكنّي أحتاج الى سماع صوته."
أوقفت السيّارة جانباً, فقد وصلنا الى منزلها. قالت أنّها قد تموت من دون أن يدري لأنّه بكل بساطة لا يسأل عنها. انتقلت اليّ, تسدي لي نصائح لم أطلبها عن حياتي. تطلب منّي أن أكون قاسية, أنانيّة, ألاّ أفكّر بالمحيطين بي, ألاّ أكترث سوى لنفسي. أخبرتني كم تهمّها سعادتي. ابتسمت بهدوء فلا أنا ولا هي نستطيع تخطيّ حدود الذات, الرحمة ونتقنّع ببراقع استغلاليّة.
عادت تخبرني كم كانت حساسة, بريئة, كيف دمّرها, كم من الأذى تلقت منه, كيف حوّلها الى أخرى غريبة عنها, باردة, متعطشة للانتقام... دفنت وجهها بين يديها واسترسلت بالبكاء لأنّها تشتاق الى نفسها! "لماذا أحمّل نفسي مأساته, أشعر أنّي مسؤولة عن اٍطلاق الاٍنسان الحساس في داخله, لأنّي أعلم بوجوده! لن يتغيّر, حاولت مراراً..." انتقلت الى تفاصيل حياته, كيف ترعرع في بيئة محبطة, عن عائلته, عن تقاليد طائفته المختلفة عن طائفتها, أجواء بيته الخالي من الحنان, عاداته الغريبة, رؤيته للدنيا, انشغاله المستديم بالعمل الحزبي. هو رجل مهم على الصعيد الفكري, معدم الحال لأنّه يحارب من أجل القضية : " أعلم أنّ خميرته جيّدة, ولكنه ليس اٍنساناً طيّباً. تفاصيل... كل شيىْ لديه تفاصيل... يحبّني ويطلب منّي أن أعيش لساعة من وقته يمنحني اٍيّاها خلال أشهر. ماذا عن المتبقي من الوقت, أين هو الآن؟! أين هو الآن؟! أين هو الآن؟!".
اكتسبت عادة التدخين منه. في النهار, تحاول اٍبقاء نفسها مشغولة, وفي اللّيل, بين جدران الوحدة, "بتنقضى معي بكم سيجارة وفنجان زهورات أو حليب سخن مع أني ما بطيقو." بدأت تشرح لي عن فوائد "الزهورات" وكيف يقودها للنوم, وأنا أضحك لأنّي لا أعلم ما يمكن أن أقول!
الآن تحلّل عقدته النفسيّة الّتي جعلته "غير عاديّ" "ولكنّه استغلالي", قالت بيأس, " لا يتوانى عن الاتصال بي اذا ما احتاجني واشتاق اليّ, ويتوقّع أن أستقبله. ماذا عنّي أنا؟ عندما أشتاق اليه, عندما أمزّق شراييني, أحرق ذاتي وأشعر بها تنفجر وحدها. أين يكون؟", تبكي, " أهذا الحب؟ ألا يكترث سوى لنفسه؟ سأريه, سأجرحه, سأربي مخالب أخدشه بها..."
ثمّ عادت للتناقضات, للحب, للمشاعر, تعترف بها تارةً تمّ تنفيها, تشكي لي ألماً ممزوجاً بلهفة, سعادة... حاولت الخروج مع غيره ولكنّه يطاردها, لا تنساه! شتمت كل العواطف, أنكرت حبّها اليه, أدانته وعادت تعذره, تشفق عليه...
هدأت أخيراً. فتحت باب السيارة كي تنزل وقالت :"لن أتّصل به, لشو؟!" طبعت على وجنتي قبلة, شكرتني للاستماع وذهبت. راقبتها تلملم دموعها, كي تبدو طبيعيّة أمام عائلتها...
جميع تلك المشاعر المتناقضة, الضياع, الحب, الخوف, الألم, القوّة, الضعف... كلّها شهدتها ولم أفهمها! كل تلك الغرابة, الهالة التي أحاطته بها... لم أفقهها! أهي فعلاً تفاصيل؟! هل يحبّ الاٍنسان من دون أن يتوانى عن تعذيب من يحب؟ أنسلك درب المحبة ولو أدمانا شوك ورودها؟ أنا لست أدري....
أتستمر تحبّه من دون تفاصيل. واذا ما فعلت ذلك, ما النهاية؟ ماذا تفعل بنفسها؟ أتستطيع وضع ذاتها جانباً؟ قد تكون رائعة اذا ما فعلت ذلك, او حمقاء! ! أنا لست أدري...
قد يكون استغلالي او مدّعي, أنا لست أدري...
أيفهم محبتها؟ أنا لست أدري...
لن تفهم الشجرة يوماً كيف تكون الوردة الصغيرة, ولا الوردة ستفهم كيف تكون الشجرة الضخمة. ولكنّهما قد تنظران الى بعضهما البعض وتغوصان في ألغاز مبهمة وتبنيان عالماً من الصعب اختراقه, عالم بلا تفاصيل ومدجّج بها في الحين نفسه...

1 تعليقات:

في 30 سبتمبر 2009 في 2:39 ص , Anonymous الإعلامى/ عاطف الهادى يقول...

الحب أمرٌ قدرى يعلوا الممنوع والمرغوب ، ويعلوا ما تُريد وما لا تُريد ، ويعلوا الزمان والمكان ، فلا تعرف متى تُحب ، ولا تعرف أين تُحب ، وقد تقع فى الحُب وتُغرم بة ، وأنت لاتدرى إنك أحببت أو عشقت ..
ـــــــــــــــــــــــ
أمتعتنى التفاصيل ، وإستمتعت بالتفاصيل
ـــــــــــــــــــــــ

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية