الثلاثاء، 8 سبتمبر 2009

ندم على لائحة الانتظار

على أرصفة الحياة نعدو حين يرفض بعض العمر أن يتلاشى... نعدو أطفالاً ونغدو كباراً، كباراً على رماد الظلام وشواطئه التي تصر على إذلالنا. نهرب من الواقع الى واقع أفظع جاف، معاق ومريب... نتوق الى الطفولة، تلك التي تغضب دون ان تدرك ما هو الغضب، تلك التي تعشق دون غواية العشق، وتحلم دون ضباب الاحلام...

ننجح أحياناً في ابعاد الأسى عن دوائر حياتنا فيلتهمنا الظلم المنسوج في الذاكرة، ذاكرة النسيان المدفونة في الاعماق المدوية...
تستمع الى أغنية شجية اللحن لتدرك أن عينيها سريعتي العطب فتنهمر دموعها بغزارة وتشعرها قدرتها على البكاء بالريبة. تتخايلك تعبر الحياة كنسمة بالغة الرقة لدرجة تفوق قدرتها على احتمال العذوبة المسلوبة وسط وعود ذهبت أدراج الريح لحظة ادراك الحقيقة عند مفترق الطريق. تخلفها وراءك تحت وطأة الواقع، ذاك الذي لا يمت الى الواقع بصلة فتبارك احتضاراتها بالانتماء الى اللاشيء، الى العدم، العدم العبثي الذي يعزز في داخلها الرغبة في نسيانك فيصعقها تعبير التوتر الذي لا ينفع سوى ليحرضها على تذكرك من جديد.
ترتعش المدينة في داخلها وتتأملها كما لم تفعل أبداً، بعينين نهمة تحتاج للوجود، تذوب في كيانها، تلقي برأسها على مبانيها وتطلب منها الغفران.
تعود بها الذاكرة الى ملامح تلك الغرفة الفخمة في جناح الفندق المبلسم، ملامحها أشبه بالربيع، الربيع الميت الذي يلبس أزياء تنكرية في الشتاء، فتجتاحها نوبات من الذعر، تصم أذنيها كلماته المرتعدة وضحكته الشنيعة المدوية التي تصر على استعبادها وتحقّر نداوتها بخشونة تفاهة تملكه لها. تستذكر عبارة عالقة في ذهنها، الجنس هو ما نهرب اليه عندما لا نجد العاطفة، فتضحك بسخرية مطلقة من روعة التعبير. يخبرها أن هذا السائق مجهّز بأجهزة كاتمة للصوت ويطمئنها أنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ليبدأ بتمرير أصابعه بين خصلات شعرها الليلكي المنسكب على عنقها العاري ويستمر بروية تدريجياً ليصل الى صدرها البارز تحت فستانها العاري الساتان الذي ابتاعه لها. يغمرها احساس بالغثيان والانقباض فتبتلعه وتحنّط جسدها عبر رسم ابتسامة صفراء على ثغرها الملبّس بشفتين مفتوحتي الجراح، لتشعر انها مجرد جثة، جثة تحاول الموت بين احضان الغريب الذي لا يستطيع الانتظار كي يعريها. تنبعث فجأة في جوفها رائحة غريبة من عطره الاخاذ، رائحة وحدها تستطيع ان تشمها، رائحة الموت والالم، رائحة اسخف محاولات النسيان في اراضي الانتقام، الانتقام من صورة حبيبها الاصلي المرتمي بين احضان صديقتها المقربة. تدرك الفرق بين الانامل والاصابع وينتابها حزن شديد، لقد عزمت على استئصاله من داخلها وليلتها مع الغريب اشبه بضمانة انها لن تستسلم وتعود الى رياء الانامل.
كيف أقنعت نفسها بمرافقته الى "الاوتيل"؟ كيف ارتمت بين احضانه وعزمت على التعري معه لتمارس على جسدها اسوأ انواع التعذيب والمازوشية واجباره على الرضوخ لنزوات حقدها وغضبها؟ هل تلتئم الجراح بجراح أخرى؟
لم تعد تدري، فقدت حس الادراك في نزف تجربتها المذلة. "آه، كم أنت شهية..." همس في أذنها وهي تشعر انه يلتهم جسداً ميتاً، مبتور الأطراف، رغبت أن تسأله عن طعم الأموات ولكنها أذعنت وابتلعت نفسها مجدداً فقد قررت الخضوع لدوامة الحقد والمضي بها حتى بلوغ خط النهاية. انتهى من تناول وجبته الشهية، أطبقت جفنيها وأدركت أنها لن تعود يوماً الى ما كانت عليه. ارتدت ملابسها وطلبت من السائق ان يوصلها الى منزلها. هكذا احتضرت لحظة خانها وهكذا انتحرت لحظة قررت اغتياله.
كل شيء بدا مختلفاً في اليوم التالي، البحر الذي كانت تعشقه، السماء التي كانت تلتحفها، حتى المباني والاشجار، دمرها الخوف والغدر. وحده حبها المهدور في غير مكانه هو ما اغراها للارتماء بين احضان الطبيعة ليشعلها كلهيب الشمس ويهدئ روعها كما لو ان حبيبها عائد ليربت على جسدها بحنو ويبتلع أدمعها ويطمئنها انها لم تخسر ذاتها وانه ما زال هناك من سبيل للرجوع.
تختفي لأيام، لأسابيع... لن تعاود الهرب الى احضان ذاك السافل الذي يشتهيها دون ان يشعر بها. تحلم أن حبيبها الاصلي سيعود ويعتذر نادماً، ولكن بم ينفع الندم؟ تحلم انها في وحدتها، ستستيقظ بقربه وتلامس شعره المشعث وتدفن رأسها بين أضلعه وتهمس في أذنه، ما زلت أحبك أيها المعتوه، فيشد على جسدها ويشعره انه يحتويه ليتخطى حدود الاجساد لبرهة كما لو انه حمل الى اعلى الذروات التي تسمح له ان ينتفض ويطير. لمسة يده وحدها كانت كفيلة بالنسبة لها ان تغير بكل بساطة مجرى حياة...
تعود عبارة "انت شهية" لتدوي في أذنيها، تطفئ حاسة السمع، تنهال على القدر ضرباً وشتيمة وتثور في سرير وحدتها المفجوع. تلمع رسالة قصيرة على هاتفها "سامحي افتتاني بالأخرى، نحن معشر الرجال اعتدنا احضان العاهرات، ندمي يجعلني التهم التراب الذي عليه كنت تدوسين، ندمي يفترش سريري عندما تحكمين علي بالغياب". ترمي هاتفها بثورة وامتعاض وانكسار... حماقة الواقع هي السكين التي نغتال بها عذوبة الاحلام. نغدو كباراً حين يرفض بعض العمر ان يتلاشى فنتلاشى نحن. كيف تصف له شعور المهانة الذي تكتسيه ويعريها في كل لحظة؟ كيف تخبره انه في بعض الاحيان يأتي الندم متأخراً فلا يجد له مكاناً حتى على لوائح الانتظار!

10 تعليقات:

في 9 سبتمبر 2009 في 2:11 م , Blogger islam-heza يقول...

الموقع بتاعك جميل ومقالتك جميله وننتظر منك المزيد ربنا يوفئك انا برده عامل مدونه جميله انا مضاف عندك علىفيز بوك ياترى ممكن نبقى نتعرف يا جانا

 
في 30 سبتمبر 2009 في 12:06 م , Anonymous الإعلامى/ عاطف الهادى يقول...

بالأمسِ القريبِ كانَ لنا لقاء على لائِحةِ الأنتظار ، مازالت أصداؤة نغماً يملأ مسامعى وأبصارى ، وجوابُكِ أعادنى إلى الماضى وأيقظ فىَّ آثارة ،
فهل لى أن أسألَ السؤالا ؟
متى أقدرَ على محو الآثارا ؟

 
في 2 أكتوبر 2009 في 1:32 ص , Blogger Jana El Hassan يقول...

تستطيع محو الآثار متى تشاء او تصبح مستعداً لذلك، لأنها بكل بساطة آثار أي "أشياء انتهت" ولكننا ما زلنا نرغب بها... استبدل الرغبة او طورها او وجهها حيث ممكن ان تكون ايجابية...

 
في 11 أكتوبر 2009 في 7:46 ص , Blogger علي جاد يقول...

أهلا جانا ..
الندم ليس له لائحة انتظار بل يجئ وقت لا ينفع الندم وبعد فوات اللأوان
كم من مواقف وتصرفات وأفعال نشعر فى وقتها أنها صح.. وبعد الوقوع فى خطأ ما نجلس فى ركن ما ونندم ونندب !!!
فهل الندم له انتظار .. وهل الإنسان ينتظر خطأه .. ومن منا يعترف بأنه على خطأ ..أتمنى ألا أندم على أنى كتبت لك .. فأنا على لائحة انتظار ردك.. سلاااام

 
في 26 ديسمبر 2009 في 12:26 ص , Anonymous غير معرف يقول...

اهلا سوسهلا جانا بجد كلامك مفيد جدا بس يا ترى انتى كمان بتستفيدى ولا انتى بتفيدى الناس بس . انا اقصد انك ممكن تقدرى تكسبى مقابل مادى مش بطال من المدونة بتعتك فكرتى قبل كدة فى الموضوع دة ولا لأ مستنى الرد عليا دة رابط المدونة بتعتى http://www.school4arab.blogspot.com
دة رابط الجروب بتاعى على الفيسبوك اتشرف بمالشاركة معايا ياجنا منتظرك
http://www.facebook.com/profile.php?id=849355561&ref=name#/group.php?gid=224726181532

 
في 31 ديسمبر 2009 في 11:45 م , Anonymous غير معرف يقول...

يؤسفني كشاب مسلم ان ارى بنت بلدي وهي في سن الزواج تكتب مقالات عن الجنس والدعارة في الفنادق بلا حياء على كل حال الاناء ينضح بما فيه

 
في 31 ديسمبر 2009 في 11:47 م , Anonymous سني بيروت يقول...

يؤسفني كشاب مسلم ان ارى بنت بلدي وهي في سن الزواج تكتب مقالات عن الجنس والدعارة في الفنادق بلا حياء على كل حال الاناء ينضح بما فيه

 
في 8 يناير 2010 في 12:00 ص , Anonymous الإعلامى / عاطف الهادى يقول...

أديبتى جنى ..
لا يمُرُ يوماً ..
دونَ أن أمُرَ بِخلوتى ..
أنعمُ فيها راحةَ الفؤادِ ..
تِلكَ خلوتى ..
أبوابُ قصرُكِ العاجى ..
ليتنى يوماً داخِلةُ..
أُطفئ لظى شوقى ..
والإشتِياقِ ..
تقرأينَ نفسى ..
وكُلُ أنفاسى ..
وأنتِ الهوى ..
تُطببينَ غائِرَ أوجاعى ..
ألا مِن مزيدَ الدواءِ ؟
بأدبِ الكلامِ والحروفِ ..

 
في 17 سبتمبر 2011 في 6:04 ص , Blogger HotSolutions يقول...

بالتوفيق
http://jana-ahmed.blogspot.com/

 
في 14 سبتمبر 2017 في 10:26 ص , Blogger reda gamal 01220689236 يقول...

ليس من السهل الحصول على شركة متميزة ومتخصصه لعملية التنظيف ومكافحة الحشرات ونقل العفش وغيرها من الخدمات فشركتنا رائده في هذا المجاال وجعل منزلك راقي وجميل حيث يتوفر لدى شركتنا عمال فلبيين وغيرهم متميزون وعلى درجه كبيره من الكفاءه والخبره كما ان شركة ركن الشروق يتوفر لديها افضل المعدات واحداثها التي تجعل الشركة متقدمه عن غيرها وجعل امور المنزل من تنظيف او مكافحة او نقل امر سهل وراقي في العمل عزيزي العميل نتمني منك الاسراع الينا وطلب الخدمة التي تريدها وسوف يصل اليك فريق على درجه كبيره من التميز والخبره والسرعه في العمل اتصل بنا ولا تتردد نصلك اينما كنت شركة تنظيف بالرياض


شركة مكافحة حشرات بالرياض


شركة نقل عفش بالرياض

شركة تنظيف خزانات بالرياض
شركة تنظيف بالطائف

شركة نقل عفش بالطائف
شركة مكافحة حشرات بالاحساء
شركة تنظيف خزانات بالاحساء
افضل شركة تنظيف مجالس بالاحساء
شركة تنظيف خزانات بابها





 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية