الأحد، 12 أكتوبر 2008

جنازتي


استيقظت اليوم متأخّرة على غير عادتي... نهضت من سريري بسرعة أنادي أمّي, أسألها لمَ لم توقظني؟ لا أحد يجاوب في هذا المنزل الأحمق! هرعت إلى غرفة الجلوس فإذ بها مكتظّة بأشخاص لا أعرف معظمهم. بكاء, نواح وعويل وأجساد متّشحة بالسواد! أصبت بإحباط... لا بدّ أنّ أحدهم قد مات... "ماذا هناك؟ ردّي يا أمّي! من مات؟"
لا أحد يكلّمني كأنّي غير مرئية, لا أحد ينظر إلي... صرخت بغضب, بهلع "ماذا هناك؟"
لا شيء يرتدّ إليّ سوى صوتي... الجميع غارق في الدموع! دأبت أهزّ كلّ الموجودين كأنّني ألامس الهواء. فقدت إحساسي بيدي, ما بالهم!
تناولت واحدة من تلك النعاوي أتأمّلها بهدوء: انتقلت إلى رحمة اللّه تعالى المرحومة.... لا! لا يعقل! ما تلا كلمة المرحومة كان اسمي! اكتشفت أنّ المنية وافتني فجر اليوم ولكن لا بدّ من وجود خطأ في مكان ما فأنا لا اذكر أنّي متّ كما أشعر أنّي حيّة. لا بدّ من خطأ ما!!!
عدت أصرخ, أرتعش, أكاد أجنّ... أخبر أمّي أنّي ما زلت على قيد الحياة! وهي تضرب نفسها. أحاول أن أهدّأ روع أختي الّتي تكاد تنهار وتركض مسرعة إلى غرفتها لحظة إعلانهم عن إحضار جثماني... تنهدت بارتياح, الآن يحضرون الجثمان فيتبين أنّها ليست أنا من توفيت, لا بدّ أنّها أخرى تشبهني أو تحمل نفس اسمي! أدخلوا النعش, وإذ بها فعلاً أنا. انبطحت والدتس فوقه ترثيني, لم أعد أقوى على الاحتمال. نهضت لأتاكّد من الجثة وانهمرت دموعي على وجنتي... كسرت إناءً زجاجياً كان على الطاولة فتبعثر قطعاً صغيرة أمامي من دون أيّة ردة فعل لأحد. الناس يدوسون تلك القطع دون أي إحساس أو شعور.
دخلت إحدى قريباتي بعويلها المفجع وبدأت تخبر قصّة خرافية مفادها أنّها دعتني للغداء في منزلها البارحة "كنت عاملتلا الورق عنب يلي بتحبو!" لا يعقل! هذه السيدة بالذات دجالة فأنا لم اكن على وفاق معها وأنا لا أطيق "الورق عنب". أهزّ أمّي وأقول لها ألاّ تصدّق...ويتّفق الجميع أنّ الورق عنب كان طعامي المفضّل!!! أخدش نفسي, أشدّ شعري, أنا حيّة! يا ربي, ماذا يحدث؟! شخص تلو الآخر يروون حكاياتاهم عنّي, عن علاقاتهم المقرّبة منّي وأنا أنظر بدهشة وأرسم علامات تعجّب... نسيت موتي وعويله وأردت إخراس تلك الأصوات. الكلّ يؤكد أنّه آخر من رآني وأنا بالفعل أمضيت البارحة أعمل للساعة متأحّرة ولم أرَ أحداً. كيف أعلمهم أنّي حيّة؟
لمّا لم يعد بالأمر حيلة وبلغت حدّ اليأس, جلست على إحدى الكراسي في جنازتي وبصراحة مطلقة, شعرت بالغرابة لاستمتاعي بها! كنت محطّ اهتمتا والكل يريد الجلوس في الصفّ الأمامي من أجلي. ضحكت لسماع الأخبار الملفّقة عنّي, ضحكت لسماع أشخاص لم يحبّوني يوماً يتحدّثون عن كم كنت رائعة... لم أتسلّى على هذا النحو من قبل. العثرة الوحيدة كانت عدم مقدرتي على المشاركة!

7 تعليقات:

في 12 أكتوبر 2008 في 10:18 ص , Anonymous غير معرف يقول...

raw3a,i love it,b3eed el shar w
Allah ye7miki w ytawel 3omrek

 
في 12 أكتوبر 2008 في 10:20 ص , Blogger Jana El Hassan يقول...

merci ktiiiir

 
في 13 أكتوبر 2008 في 5:20 ص , Anonymous غير معرف يقول...

جميلة جدا

 
في 14 أكتوبر 2008 في 3:50 ص , Blogger ... amr يقول...

من الاشياء الجميلة بصراحة ان الواح يعرف راي اللي حوالية كلهم فية ... بدون زيف او اقنعة و بمنتهى الصراحة
و الاجمل منة ... انة يتفرج على كل دة حتى لو من بعيد :)) . . . .

الله يبعد عنك الشر و السوء :)

دمتي بخير

 
في 15 أكتوبر 2008 في 1:05 ص , Blogger Jana El Hassan يقول...

مظبوط كتير بكل صراحة...
شكراً

 
في 15 أبريل 2009 في 2:45 ص , Anonymous Tarek Samir abdallah يقول...

اولا ... بعد الشر عنك
ثانيا ....القصة عجبتنى جدا ...
ثالثا ... اللى عبنى فيها حاجات كتير
الهدف نفسه " ابه كل القنعة اللى لابساها الناس دى .. ليه الغش و الكدب ده كله ... ليه ..ده حتى بعد ما يموت حد بردو كدب و خداع .. "
رابعا ... اسلوبك جميل و مشوق جدا . من فضلك استمرى فى الكتابة

 
في 25 فبراير 2010 في 12:47 ص , Blogger Johnny El Hage يقول...

i loved it....very simple....yet very creative.....

Ihtirametna

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية